من أهم الأحداث السيرية التي وقعت في شهر ذي الحجة

شهر ذي الحجة هو أحد شهور السنة القمرية المعروفة، وهو ثاني عشر شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحرم، وقد عرف ذو الحجة - شأنه في ذلك شأن باقي الشهور - أحداثا كثيرة على مر التاريخ، وسوف نقتصر هنا على أهم ما جرى خلال هذا الشهر من الأحداث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فمن تلك الأحداث:

خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة خديجة بنت خويلد

ففي شهر ذي الحجة وقبل البعثة بخمس عشرة سنة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم في تجارة لخديجة بنت خويلد، وذلك أن خديجة رضي الله عنها كانت امرأة غنية كثيرة المال، فكانت تبعث الرجال في تجارتها وتجعل لهم نصيبا من الربح، وكانت تسمع عما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم من الأمانة والصدق، فبعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في تجارتها إلى الشام مع غلام لها يسمى ميسرة، ففعل صلى الله عليه وسلم، ثم إنهما حلا بسوق بصرى قرب دير لأحد الرهبان، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة فرآه هذا الراهب، فسأل ميسرة من النازل تحت الشجرة؟ فعرّفه ميسرة عليه، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.

فلما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم وميسرة مهمتهما، عادا إلى مكة وقد ربحت التجارة، ثم إن ميسرة أخبر خديجة رضي الله عنها، بما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأمر الراهب، فعرضت عليه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج منها، ففعل، وكان ذلك حلم كل فتى قرشي، لما كان لخديجة من كثرة المال ولما لها في قريش من شرف النسب وعلو المكانة.

ومن الجدير بالذكر، أن هذا ثاني سفر له صلى الله عليه وسلم إلى الشام، حيث كان خرج مع عمه أبي طالب وهو في عامه الثالث عشر، وفي هذه الرحلة يقول العالم الجليل عبد العزيز اللمطي - مشيرا إلى أنها ثاني رحلة، وإلى زواجه بخديجة لدى رجوعه -:
وعاد معْ ميسرة للشام
        وهْو من الرحمن في إكرام
تظله الأملاك في المسير
        حين اشتداد الحر في الهجير
وإذ إلى مكة عاد وافتتح
        ستا وعشرين من العمر نكح
خديجة من بعد أربعينا
        مضت لها من عمرها يقينا

بيعة العقبة الثانية

وفي شهر ذي الحجة من العام الثالث عشر بعد البعثة النبوية كانت بيعة العقبة الثانية، وذلك أنه بعد حصول ما حصل في بيعة العقبة الأولى، خرج من المدينة ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان يؤمون مكة ليلتقوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبايعوه على الإسلام، فلما وصلوا العقبة، أتاهم صلى الله عليه وسلم  وبصحبته عمه العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، ولم يكن حينها قد دخل الإسلام، وإنما جاء ليتوثق من قدرة هذا النفر على حماية ابن أخيه، وليطمئن على هذا الاتفاق؛ قال في تحضير مرهم الدوي للمتداوي من كلوم جهله بالبدوي:
وجاء طه ثالث الأعوام
        خمس وسبعون من الأقوام
وبايعوا خير الورى ذا المنقبه
        تحت ظلام الليل عند العقبه
على حماية شفيع الناس
        - إن جاءهم - بمحضر العباس
توثقا لابن أخيه السامي
        ولم يكن صدع بالإسلام

ثم تمت هذه البيعة الثانية، والتي بايع الأنصار خلالها النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم ونساءهم.

 ثم عين عليهم صلى الله عليه وسلم اثني عشر رجلا سماهم النقباء، وهم من عدهم العالم الجليل البشير ولد امباركي، في نظمه "مزيل اللبس في مشتبهات الخزرج والأوس" حين قال:
ثلاثة هم نقباء الأوس
        نجل حضير للنبيت الأوسي
كذا أبو الهيثم ذو النخل الظليل
        للعمرين والنبي فيه مقيل
وقال ذا النعيم عنه يُسأل
        ظل ظليل بارد وسلسل
وليس توبيخا لهم لكنه
        سؤال تذكير لهم بالمنه
وقيل بل سليل عبد المنذر
        رفاعة مكان ذي النخل السري
ونجل خيثمة سعد المنمي
        من نقبا الأوس لآل السلم
ثعلبة الخزرج سعد بن الربيع
        نقيبهم وابن رواحة الرفيع
سعد عبادة مديم المائده
        ونجل عمرو منذر من ساعده
عبادة بن صامت من قوقل
        وابن زرارة لنجار العلي
منهم أبو جابر المسن عد
        أول من مات شهيدا بأحد
عبد الإله نجل عمرو الجشمي
        ورافع بن مالك لهم نمي
ونجل معروري البرا نقيب
        ثالثهم لجشم نسيب

 هذا ولم يراعَ في في تعيين هؤلاء النقباء تمثيل أفخاذ الأنصار، وإنما جاء ذلك حسب الأهلية والكفاءة، وقيل إن جبريل هو من سمى هؤلاء النقباء للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تم تكليفهم بتطبيق جميع ما ورد في الاتفاق المبرم ليلتها، والحرص على عدم الإخلال به.

غزوة السويق

وفي شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة كانت غزوة السويق، وحاصلها أن أبا سفيان بن حرب لما رجع جيش قريش من بدر وقد أصابهم ما أصابهم، نذر أن لا يمس رأسَه ماءٌ من جنابة قبل أن ينال من المسلمين، ولكي يبر يمينه خرج على رأس مائتي رجل من قريش، ثم سار حتى نزل بموضع قرب المدينة، فتسلل ليلا حتى دخل حي بني النضير، وهناك لقي سيدهم سلام بن مشكم الذي احتفى به وسقاه، وأطلعه سرا على بعض أخبار المسلمين بالمدينة.

ثم رجع أبو سفيان إلى إلى قومه وأرسل إلى المدينة رجالا منهم، فدخلوا أحد أحيائها وحرقوا بعض النخيل وقتلوا رجلين من الأنصار، ثم رجعوا إلى أبي سفيان حيث ولى بقومه مسرعا تخوفا من ردة فعل المسلمين الذين خرجوا في أثرهم حتى بلغوا موضعا يسمى قرقرة الكدر، فعرفوا أن أبا سفيان فاتهم لإفراطه في سرعة السير، وكان قريش يلقون في طريقهم بعض زادهم من السويق ليتخففوا، خوفا من أن يلحق بهم المسلمون، ولهذا سميت هذه الغزوة غزوة السويق، كما سميت أيضا قرقرة الكدر، للموضع الذي رجع من عنده المسلمون، قال في نظم الغزوات:
فغزوة السويق في إثر أبي
        سفيان أن حرّق نخل يثرب
وغال نفسين وكان آلى
        لا يقرب النساء أو ينالا
وكان يلقي جرب السويق
        مخافة اللحاق في الطريق

ولما لم يدرك المسلمون أبا سفيان سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تكون هذه لهم غزوة، أي هل يؤجرون على الخروج فيها أجر الخروج في غزوة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، وكان ولى على المدينة حين خروجه منها أبا لبابة بن عبد المنذر الأنصاري الأوسي، رضي الله عنه.

سرية ابن أبي العوجاء إلى  بني سليم

وفي شهر ذي الحجة من السنة السابعة للهجرة النبوية كانت سرية ابن أبي العوجاء إلى سليم، وحاصل هذه السرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الصحابي الجليل الأخرم بن أبي العوجاء السلمي رضي الله عنه، إلى قبيلة بني سليم التي تقيم في صحراء نجد، على طريق القوافل بين مكة والمدينة.

 خرج ابن أبي العوجاء رضي الله عنه، يقود خمسين رجلا من الصحابة،  لردع قبائل الأعراب المتحالفة ضد الإسلام، وإظهار المنعة أمامها، خاصة قبيلة بني سليم التي لم تُخفِ عداءها للإسلام يوما، فكانت تظاهر أعداءه وتدعمهم، وقد سبق وأن خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، عرفت بغزوة بني سليم.

سار ابن أبي العوجاء وأصحابه إلى حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن صادف أن كان بالمدينة عين لبني سليم إبان خروج سرية ابن أبي العوجاء، فأسرع إلى قومه بخبر مسير السرية إليهم، فاجتمعت جموع سليم واحتشدت للمسلمين، الذين دعوها إلى الإسلام، فرفضت، وأحاطت بأصحاب السرية من كل جانب، وبعد مقاومة عنيفة استشهد جميع من في السرية إلا قائدها ابن أبي العوجاء الذي عاد إلى المدينة جريحا، بعد أكثر من شهر.

وقد نظم العالم الجليل غالي ولد المختار فال البصادي منثورَ ما قدمنا عن هذه السرية بقوله في تبصرة المحتاج إلى بعوث صاحب المعرج:
فابن أبي العوجاء الاخرم الأبي
        ومعه خمسون من صحب النبي
ومعهم عين فأنذر العدى
        فجاءهم ونبلُهم قد سُددا
ثم دعاهمُ إلى الإله
        فلم يجيبوا دعوة الأواه
ثم تراموا ساعة وجعلوا
        أعوانهم تزداد لما اقتتلوا
وهم سليم قومه فقتلا
        جميعهم سواه وهو أثقلا

مولد إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفي شهر ذي الحجة من سنة ثمان للهجرة النبوية، ولد إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المقوقس؛ حاكم الإسكندرية، أهدى جارية قبطية تسمى مارية بنت شمعون لرسول الله، وبعثها إليه مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فلما وصلت المدينة أسلمت واتخذخها رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، وقيل تزوجها، وأسكنها بالعالية، فحملت بإبراهيم وأنجبته هناك. 

وكانت قابلة إبراهيم سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع، فبشر أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم به، ففرح كثيرا، وسماه باسم إبراهيم نبي الله.

7 June 2024