أحداث وقعت في جمادى الأولى
جمادى الأولى وجمادى الثانية هما وحدهما المؤنثان من الشهور العربية.
وقد شهدت جمادى الأولى عبر التاريخ أحداثا هامة ذات دور بارز في تاريخ الإسلام، ومن أبرز هذه الأحداث: غزوة العشيرة وغزوة ذات الرقاع ومعركة مؤتة.
- أولا: غزوة ذات الرقاع: يذكر عامة أهل المغازي هذه الغزوة في جمادى الأولى من سنة 4 هــ ولكن مساهمة أبي موسى الأشعري وأبي هريرة تدل على وقوعها بعد خيبر في 7 هــ كما يقرر صاحب الرحيق المختوم، ففي البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسُميت ذات الرقاع لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا.
وملخص هذه الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع انْمار وبني ثعلبة وبني محارب من غطفان فاسرع بالخروج إليهم في 400 أو 700 من أصحابه واستعمل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان ثم سار وتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل على بعد يومين من المدينة ولقي جمعا من غطفان فتوقفوا ولم يكن بينهم قتال إلا أنه صلى بهم يومئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.
وفي البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى عليه وسلم تحت شجرة علق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة فجاء رجل من المشركين فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتخافني. قال : لا . قال: فمن يمنعك مني.. قال : الله قال جابر: فإذا رسول صلى الله عليه وسلم يدعونا فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول صلى الله عليه وسلم : إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو بيده صلت فقال من يمنعك مني قلت الله فهو ذا جالس، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية فأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين.
وفي رواية أبي عوانة : فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يمنعك مني :قال : كن خير آخذ . قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال: أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال: فخلى سبيله فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
- ثانيا : معركة مؤتة : وقعت معركة في جمادى الأولى في السنة الثامنة للهجرة وهي أعظم معركة دامية خاضها المسلمون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومؤتة قرية بأدنى الشام بينها وبين المقدس مرحلتان.
سبب المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى عظيم بصرى فعرض له شرحبيل بن عمر الغساني فأوثقه وضرب عنقه.
فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار فجهز إليهم جيشا قوامه 3000 مقاتل.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا بن حارثة وقال إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة وعقد لهم لواء أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة وأوصاهم فقال : اغزو بسم الله في سبيل الله من كفر بالله. لا تغدروا ولا تغيروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا ولا منعزلا في صومعته ولا تقطعوا نخلة ولا شجرة ولا بناء
ساحة المعركة :
التقى الجيشان بمؤتة ثلاثة آلاف 3000 من مسلمين مقابل مائتيْ ألف 200000 من النصارى.
أخذ الراية زيد بن حارثة حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقاتل بضراوة بالغة حتى قُتل ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل قتالا منقطع النظير فقطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت شماله فاحتضنها بعضديه فلم يزل رافعا إياها حتى قتل، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ففتح الله على يده.
وفي صحيح البخاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة مخبِرا بالوحي - قبل أن يأتي إلى الناس الخبرُ من ساحة القتال-: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب – وعيناه تذرفان – حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله عليهم.
نهاية المعركة:
لما أًصبح اليوم الثاني عشر غيّر خالد بن الوليد أوضاع الجيش فجعل مقدمته ساقة وميمنته ميسرة فلما رآهم الأعداء انكروا حالهم وقالوا : جاءهم مدد فرعبوا وصار خالد بعد أن تراآى وتناوشا ساعة يتأخر بالمسلمين قليلا قليلا مع حفظ نظام جيشه ولم يتبعهم الرومان ظنا منهم أن المسلمين يخدعونهم ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء وهكذا انحاز العدو إلى بلادهم ولم يفكر في مطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين حتى عادوا إلى المدينة.
القتلى من الفريقين:
استشهد يومئذ من المسلمين 12 رجلا، أما الرومان فلم يعرف عدد قتلاهم غير أن تفسير المعركة يدل على كثرتهم.
وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان فكانت توطئة وتمهيدا لفتح البلدان الرومانية وقد القت هذه المعركة العرب كلها في دهشة وحيرة فكان من عجائب الدهر أن يرجع هذا الجيش دون أن تلحق به هزيمة تذكر أثناء مقابلة أكبر وأعظم دولة على وجه الأرض إذ ذاك، فأسلم بنو سليم وأشجع وغطفان وذبيان وفزارة وغيرها دون قتال.